إندلاع الحرب في الشرق مؤشر خطير لتمزيق ما تبقى من السودان (2-3)
12-05-2013 09:17 AM
سليمان حامد الحاج
تعليقات في السياسة الداخلية
إندلاع الحرب في الشرق مؤشر خطير لتمزيق ما تبقى من السودان (2-3)
أوضحنا في الحلقة الأولى أن التهميش في التنمية الزراعية والصناعية هو أحد الأسباب الأساسية في فشل إتفاق سلام الشرق وما ترتب عليه من مآسي لجماهير المنطقة ربما يؤدي إلى إندلاع حرب تعم ولايات الشرق الثلاث. نتعرض في هذه الحلقة إلى تفاصيل التهميش في التنمية.
• قضايا التنمية الزراعية والصناعية:
لم يتأسس مشروع زراعي أو صناعي يؤبه به طوال ربع قرن من حكم الإنقاذ. العكس هو الذي حدث. فالمشاريع التي كانت قائمة أصلاً في الإقليم تم تدميرها عبر الخصخصة أو الإيلولة لتتوقف كلية عن العمل. ونسردها على سبيل المثال البعض منها:
بيع مصنع غزل بورتسودان لشركة دايو الكورية مقابل مبلغ **** قدره 30 مليون دولار ويتم سداده خصماً على مديونية الشركة على الحكومة.
بيع فندق البحر الأحمر بمبلغ 158.553.350 جنيهاً لشركة الفنادق الكويتية بدل منافسها باوارث.
أيلولة مصنع كرتون أروما بمبلغ 25 مليون جنيه لإتحاد جمعيات حلفا الجديدة التعاونية التي استولى عليها –لزمن طويل- أثرياء الرأسمالية الطفيلية وهو مبلغ يقل عن ثمن (رقشة) ولم يدفع حتى 1994م.
بيعت أستراحة أركويت بالأيلولة للولاية الشرقية بقيمة مبلغ زهيد قدره 68.7 مليون جنيه ولم تدفع قيمتها حتى 1995م.
بيعت مدبغة البحر الأحمر بمبلغ 32.898.800 جنيه وهو مبلغ لا يساوي قيمة عربة (فيستو) بأسعار ذلك الوقت.
تم هذا الإهدار لأموال الشرق لأن معظم هذه المؤسسات لم تعرض في مناقصات عامة مفتوحة. وما تم سداده من قيمة بعضها أخذ سنوات وأثر ذلك سلباً على الإستفادة من قيمتها.
قاد ذلك إلى تشريد أعداد غير قليلة من العاملين في هذه المؤسسات على ضآلة استيعابها للعمالة. ضاعف من عدد العاطلين عن العمل أيضاً الاستغناء عن آلاف العمال (المزاورية)، أي عمال الشحن والتفريغ في البواخر بعد إدخال الآليات التي أغنت عن عملهم. ولم تتم الاستفادة منهم أو تشغيلهم أو استيعابهم في أي مهنة تساعدهم وأسرهم على الحياة الكريمة. ومعظم المشاريع التي أعلن عن تأسيسها لإمتصاص السخط لم ير أغلبها النور.
تعاني المشاريع الزراعية في معظم الولايات من انخفاض المساحات المزروعة ذرة أو سمسم أو فول سوداني وغيرها بسبب ارتفاع قيمة الجازولين من 8 جنيه إلى 14 جنيه، ونتيجة للتقاوي الفاسدة وارتفاع أسعار الخيش، وانخفاض كمية المياه وعدم توفر الأسمدة والمبيدات وغيرها من مدخلات الإنتاج.
ولهذا تفشت نسبة العطالة بصورة غير مسبوقة في تاريخ الشرق ولم يعد أمام المواطنين خيارات تعينهم على الحياة.
لذلك لم يكن غريباً أو مستبعداً ما عبرت عنه القيادات السياسية والنقابية والشخصيات البارزة في الإدارة الأهلية في كل ولايات الشرق عن سخطها وغضبها من انعدام التنمية. ورفعوا العديد من المذكرات للسلطات الولائية والمركزية توضح مآلات ما وصل إليه الحال في الشرق. وطالبت في تلك المذكرات بسرعة إعادة تأهيل مشاريع القاش وطوكر وكل المؤسسات التي تمت خصخصتها ومحاسبة من قاموا بتدميرها. كذلك استنكرت معظم المذكرات التي رفعت للسلطات عدم وفاء الحكومة وعدم تنفيذها لما جاء في مذكرة اتفاق سلام شرق السودان والذي مضى عليه أكثر من ثماني سنوات. وعلى رأس الوعود التي لم تنفذ، عدم تمويل صندوق إعادة إعمار الشرق وصرف الإعتمادات الشحيحة على مشاريع غير مرغوب فيها وليست ذات جدوى اقتصادية.
من جهة أخرى طالبت جبهة الشرق في الإسبوع الأول من أبريل 2013م بتنفيذ بقية البنود التي تشكل أغلبية ما احتوته وثيقة اتفاق سلام الشرق. بل مضت المذكرة أبعد من ذلك بدعوتها للجامعة العربية لعقد مؤتمر خاص يكرس لقضايا شرق السودان.
من جانبه عقد رئيس جبهة الشرق إجتماعاً بعد رفعه العديد من المذكرات -عن التلكؤ في تنفيذ اتفاق سلام الشرق- مع ممثلي جبهة الشرق في اللجنة العليا المشتركة في مكتبه بالقصر الجمهوري في 1/4/2013م.
رغم كل هذا الزخم من الاجتماعات والمذكرات والندوات وكل أشكال وأساليب العمل الحضاري السلمي صمتت حكومة المؤتمر الوطني صمت القبور، تماماً كما كان الحال مع أهلنا في دارفور. وعندما فتح الله على السلطة بالكلام، أعلن رئيسها أن من يريد تحقيق مطالبه فليحمل السلاح.
إذا حدث التلكؤ بالنسبة لشرق السودان، فإن الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عند إندلاع الحرب، وسيضاف ذلك إلى ما ارتكبته من جرائم في حق الشعب والوطن وسيكون الحساب عسيراً عندما تحين ساعته.
• الشرق مثقل بالثروات الكامنة:
من الممكن أن يصبح الشرق كنزاً من المال الذي يكفيه وتفيض خيراته على كل الوطن لو تم تفجيرها. ولا نلقي الكلام على عواهنه أو دون سند موضوعي. الحكومة نفسها وعلى لسان وزير المعادن السوداني كشف عن وجود أكثر من 1095 موقعاً للمعادن تشمل المعادن النفيسة. بل أكد رئيس الجمهورية عمر البشير في خطابه أمام الهيئة التشريعية القومية في دورة انعقادها السابعة مشيراً إلى اكتشاف 178 مربعاً لإنتاج المعادن منها 138 منجماً لإنتاج الذهب. رغم ذلك تأتي هذه التصريحات متأخرة جداً عن ما أكتشفه العلماء والباحثين منذ عدة سنوات عن أن 90% من مشاريع التعدين في السودان توجد في الإقليم الشرقي على جبال البحر الأحمر. ومخزون المعادن في جبيت التي عرفت تاريخياً بأسم (جبيت المعادن) بينها أكثر من 60 موقعاً للذهب. والمخزون من الحديد يصل إلى 12 مليون طن. وأن الرمال السوداء المتحركة في الإقليم تحتوي على 600 ألف طن من معدن الألمنين و110 ألف طن من معدم الزركون و45 ألف طن من معدن الروتيلي وكلها معادن تستخدم في صناعة الطائرات والبوهيات عالية الجودة.
تفجير هذه الإمكانات هو الضمان الأساسي لتحسين أحوال إنسان الشرق الاقتصادية والاجتماعية والخدمية ومخرجه من الحالة المآساوية التي يعيشها.
• مشكلة المياه المستدامة:
شح مياه الشرب الدائم وانعدامها تماماً في العديد من مدنه طوال العام بما في ذلك مدينة بورتسودان التي تحتضنها مياه البحر الأحمر، تشكو من شح الماء العذب منذ انشائها. فقد بدأت بإستيراد الماء من خور موج ولما بلغ سكانها الـ50 ألف نسمة في الخمسينات سعت إلى مصادر المياه من خور أربعات. الآن سكان بورتسودان يفوقون الـ800 الف نسمة، وتبلغ احياؤها أكثر من ستين حياً، فهي لازالت تعتمد على المصدرين السابقين لجلب الماء. هذا المثال ينطبق على معظم مدن الإقليم. ففي مدينة أروما على سبيل المثال لا توجد ولا بئر جوفية واحدة. ونفس الحال بالنسبة لمدينة طوكر التي يأتيها الماء من كسلا على مسيرة مسافة تبلغ 50 كيلو متراً. وحدث ولا حرج عن هيا ودرديب ووقر وغيرها وما تعانيه معظم مدن الإقليم من شح مخل في المياه.
تشير تقارير هيئة الصحة العالمية إلى أن احتياج الفرد الذي يعيش في المدن من الماء هو (90) لتراً في اليوم وفي الريف (20) لتراً. وفي معظم القرى يقل نصيب الفرد عن (2) لتراً من الماء النقي. (نواصل)
الميدان
Nessun commento:
Posta un commento